6.10.10

السواقة في بر مصر

فن.. أخلاق.. ذوق

هذا هو توصيف وزارة الداخلية للقيادة (الشهيرة بالسواقة) في مصر
والتي أصبحت لا أدري هل تم اشتقاق كلمة سواقة من يسوق
حيث يشعر كل راكب سيارة أنه يسوق قطيعا يركب في باقي السيارات.. وعليهم جميعا الانصياع لرغباته واتجاهاته
أم أنها -كما تُنطَق في مصر- سواءة، وهي تأتي من مدى السوء التي وصلت له

فأنا لا أتفق مع شعار الداخلية إلا في الثلث الأول فقط
فهي فن..
وفن له أسس وقواعد؛ ملخصها هو : ليس هناك أسس ولا قواعد

يهالني الفارق الشاسع بين عقليات وتصرفات السائقين، وتعاملهم مع الطريق ومع القطيع.. عذرا.. أقصد رفقاء الطريق الآخرين

فمن المعروف عن "السواقة" في مصر أن هناك لغة خاصة لا يعلمها إلا أهل مصر
فهو قد يخبرك بأمر ما باستخدام يده أو النور أو الكلاكس أو حتى الإشارات

ولا يفسد هذه اللغة إلا القائد المايسترو..
فأنت تسير خلفه وهو لا يكف عن الإشارات بيده صعودا وهبوطا.. للأمام وللخلف
تحاول أنت استنباط المعلومة التي يريد أن يوصلها لك، ولكنك تفشل في أي محاولة للترجمة..
هل هناك رادار؟
هل هناك حادث في الأمام؟
هل هي إحدى الشتائم البذيئة والتي تتطلب ردا سريعا منك بأحد مكونات سيارتك؟
لا تدري..
وما تكاد تشك في إلمامك بهذه اللغة، إلا وتكتشف أنه يتحدث مع جاره في السيارة، ويقتسم الحديث بين جاره وبينك..
فالكلام للجار والإشارات لك!!
 
ولديك السائق الذي لا يعرف للفرامل سبيلا..
فالسيارة تسير بسرعة ثابتة طوال الطريق.. سواء كان الطريق خاليا أو كان مزدحما، لا يقف لعابر طريق، أو حتى لمطب أوقعه حظه العاثر أن يمر من تحت هذا السائق
وعليك أنت أن تفسح له بمجرد رؤيته.. أيا كانت العوائق أو الموانع التي على جانبيك

ولديك سائق حرب أكتوبر..
وفي هذا القائد تتحقق مقولة : لازم نستلهم روح أكتوبر ونطبقها في حياتنا
ولهذا فهو يكون في أقصى يسار الطريق.. يسير بهدوء وتؤدة.. لا يعطي أي إشارة أو تنبيه.. بل لا يكاد يلتفت في أي اتجاه (يطبق روح الخديعة والدهاء في حرب أكتوبر)
وفجأة
يتخذ قرار العبور المجيد، فتجده في لحظات يختفي من اليسار ليصبح في اليمين (هنا يطبق عنصر المفاجأة)
ليجبرك أن تتخذ فجأة موقف الدفاع عن النفس بعد أن أربك كل حساباتك لحركة الطريق وبعد أن ظننتَ أنك ممسك بزمام الأمور، وأنك السائق الذي لا يقهر
ثم بعد ذلك وعلى طريقة (بالسلام إحنا بدينا بالسلام).. ينظر لك ويبادرك برفع يده مسلما ومعتذرا، ليحرجك أمام المجتمع الدولي في الطريق
أو قد يطبق دروس أكتوبر حتى درس العبور فقط، ثم يغلق كتاب أكتوبر ولا يعيرك اهتماما بعد ذلك على طريقة (ليك شوق في حاجة؟)

من المؤكد أيضا أنك سترى سائق مراجيح مولد النبي
وهذا لم يستلهم روح حرب أكتوبر، ولكنه استلهم روح محافظة أكتوبر بما فيها من ملاهي
فهو يشعر كأنه في مدينة دريم بارك، لا يثبت في مكان..
يسترجع طفولته بالمرجحة في الطريق، فتراه كالحائر بين حارتين، يذهب يمينا قليلا حتى لا يكاد يتم دخول الحارة اليمنى، إلا ويقرر أن يتجه يسارا بهدوء، ثم يعيد الكرّة
ويجب عليك تحمُّل هذه "المرجحة" وأنت عالق خلفه لا تستطيع منه فكاكا.. حتى تنتهي رغبته في استرجاع أيام طفولته الغابرة، وغالبا ما يكون ذلك بوصوله إلى بيته

ومن ذكريات طفولة هذا السائق، لـ سائق كى جِي وَن
وهو سائق آخر على النقيض تماما.. فذكريات طفولته قد سببت له عقدة "بشنيطة"
فيبدو أنه ضُرِب كثيرا عند كتابته للواجب المدرسي لتركه السطر أثناء الكتابة، إما بالصعود أو بالهبوط
وقد آتت العقوبة أكلها ولم تظلم منه شيئا (إلا ظلمها للسائق الذي يتعسه حظه بالسير خلفه)
فهو ما أن يرى الخط الفاصل بين الحارات إلا ويتذكر السطر في كراسة المدرسة.. فيتخذه دليلا في وسط السيارة ولا يحيد عنه، فلا "يطلع للسما" ولا هو "ينزل يشرب م البحر"
وأنت تأتيه ذات اليمين وذات الشمال، ولكنه غير منتبه لك، لانشغاله بالسطر

لهذا..
عليك عزيزي السائق أن تتحلى بالصبر وتدعو الله أن يحميك من أمراض القلب والضغط والسكر
وتدعيلي معاك إن ربنا يعينني
:)

* * * * * * *