19.4.10

دي حكايتي مع الدبان

(1)

في يوم العشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الثامن بعد الألفيتين..
ننتقل إلى منزلنا العامر، والكائن في إحدى المدن الجديدة التي أنشأتها الدولة حديثا..
أو هكذا ظننت..

تسمى المدينة امتداد 15 مايو
رجاء..
لا تقل 15 مايو، وقل امتداد 15 مايو.. فهذه الكلمة في غاية الأهمية

وهذا الاسم لا أدري لم اختارته حكومتنا الذكية، وهي جالسة على كرسي عُمُوديَّة القرية الذكية؟
هل كَوْن المدينة تجاور 15 مايو وتتبعها.. إذا هي امتداد لها؟ أهذه نهار والأخرى ليل؟
إذا لِمَ لَمْ يسموا 15 مايو الأولى بامتداد حلوان؟
ولم تأتي كل أسماء المدن الجديدة إما على تواريخ أو بإضافة كلمة "الجديدة" لاسم أي مدينة قديمة
ألا يوجد بيننا من يبتكر اسم لمدينة؟

قد كان ما كان.. وأعطوها هذا الاسم، وكما سموا مجاورات مايو بالأرقام 1-2-3... إلخ
فقد انتهجوا نفس المنهاج في الامتداد، وبدأوا من أول مجموعة الأرقام الطبيعية "ط" مرة أخرى.. 1-2-3.. إلخ

وما مشكلتك مع الأسماء والأرقام؟ أليس ذلك أفضل من أن تصبح "المدينة اللي
ما تتسماش"؟

إذا فكرت في هذا السؤال فاسمع هذه المكالمة:

- آلو.. مركز صيانة تلاجات (......)؟
- أيوة يا فندم
- عندي التلاجة مش شغالة كويس وفيها........ إلخ
- هنبعت لحضرتك مندوب الصيانة.. ممكن العنوان؟
- مجاورة كذا.. امتداد 15 مايو
- تمام يا فندم.. مجاورة كذا في 15 مايو
- لأ.. امتداد 15 مايو
- يعني هي مايو ولا مش مايو
- هي مايو.. لأ هي مش مايو،ممممم.. هي مش مايو نفسها يعني، دي مدينة جنبها اسمها الامتداد
- آآآ... حاضر يا فندم، هيجيلك كمان يومين

ثم أغلق الخط بعد أن اقتنع..
أو هكذا اصطنع


تتكرر المكالمة مع شركة صيانة الغسالات، وتتكرر محاولات شرح الفارق الجوهري بين 15 مايو وامتداد 15مايو
نسيت أن أذكر أن هذه الاتصالات نتيجة تذبذب التيار الكهربائي مع أي محاولة طائشة من أهل المنزل أو المنازل المجاورة لتشغيل تكييف أو موتور أو حتى ماكينة لحام
حتى كادت أن تودي بحياة جميع الأجهزة الكهربائية.. لولا أن من علينا الله باستقرار نسبي في الكهرباء مؤخرا

وأسأل نفسي.. لماذا لم يسموها باسم أي يوم آخر.. فالنتيجة مزدحمة الأوراق.. فليأخذوا منها ماشاءوا
لماذا لم يسموه مثلا 16 مايو، وبذلك يدللوا قطعا أن هذه تالية لتلك؟
لماذا لا يجعلوا هذه 15 مايو 1971.. والأخرى 15 مايو 2010 مثلا؟

لا إجابة !!

-------------------------

(2)

أخطو داخل المنزل.. ليست المرة الأولى بالقطع، ولكنها المرة الأولى كمقر دائم للأسرة
أفاجأ بأسراب من الذباب المفترس..
وكأن حصة مصر من الذباب العالمي اجتمعت لتصب في بيتنا
ما الحل أمام هذه الجحافل


نيو بيروسول.. راحت الزنة من وداني
يتم افراغ عبوتين من هذا النيو بيروسول (وهو مازال نيو منذ 18 عاما على الأقل)، لنجد الأرض وقد فرشت بعدد 2500 ذبابة على أقل تقدير إحصائي
هم وانزاح..

في تمام الساعة السادسة صباحا، ومع أول محاولات لضوء النهار أن يقتحم الغرفة.. أجد أسراب جديدة من الذباب وقد حملت على عاتقها هم إيقاظي مبكرا.. رغم الإجازة
أحاول الهروب يمينا ويسارا.. ولكن لا فائدة
احتمي بالبطانية من "غلاستهم" ولكن أجد إحداهن تتسلل من السنتيمتر الذي تركته لأتنفس
لا مفر إذا من الاستيقاظ

بعد استخدام طرق عديدة للتخلص من هذا الكابوس،
بداية من البيروسول والريد ومشتقاتهما..
مرورا بمضرب الذباب..
وانتهاء بعدو الذباب الأزلي.. الشبشب
نجد أننا كلما تخلصنا من فوج.. احتلنا غيره
خاصة وأنه لا يفهم أن عليه أن "يُهَش" عندما نشير له بأن "هِش"، ولكن يتوجب عليك أن تحركها شخصيا من موقعها على وجهك أو رأسك أو حتى داخل أذنك إلى أي مكان آخر بعيد عنك..

سمعت عن الصاعق الكهربائي اليدوي.. واتفقنا على أن يُحضره أي منا عندما يجده أمامه
أحضر أخي اثنين من هذا الصاعق.. فوجدته يشبه مضرب التنس
بل من المؤكد أنه مضرب تنس ولكنه يحسن دخله بالعمل كمضرب ذباب ظهرا بعد إضافة عدة دوائر كهربائية
ولكن هل يظنونني رافاييل نادال أم أحمد برادة، حتى أصعق هؤلاء الملاعين "ع الطاير"

بالطبع بائت كل المحاولات بالفشل الذريع..

-------------------------

(3)

بالطبع أعلم أن هذا الذباب الصحراوي "الغتيت" والذي لا يُهش ولا يُنش.. وإنما لابد من إعدامه؛
أعلم أنه نتيجة طبيعية لهذا الشكل الصحراوي الذي تتخذه المدينة..
فرضيت بأن يبقى الحال على ما هو عليه..
خاصة أني ليس لي الحق في اللجوء إلى القضاء

خاصة أن المدينة مازالت تحت الإنشاء منذ خمسة عشر عاما فقط..
إذا.. فقريبا سينتهي كل شئ.. وتصبح مدينة طبيعية "زي مخاليق ربنا".. ولن يأخذ ذلك أكثر من خمسة سنوات أخرى على الأكثر

ولكن وأثناء أحد الأحاديث الأسرية أفاجأ بوالدتي تقول أنها جائت مع أخيها لحجز أرض في هذا الامتداد
والمفاجأة أن هذا كان عام 1981.. عندما فتحت الدولة باب الحجز لهذه المدينة "الجديدة"
وبالطبع لم يستطيعوا الحصول على أية أراضي
ثم تذكرت الدولة أن بها أرضا محجوزة، حتى تصبح مدينة سكنية، فبدأت تسلم الأراضي في عام 1991
أي بعد ذلك بعشر سنوات
ولم تكن إلا صحراء بالمعنى الحرفي للكلمة
أي أن المدينة تنشئها الدولة منذ ثلاثين عاما.. وما زالت (في رأي ناس كتير) صحراء

اتذكر ذهابي مع والدي عام 1996 ، نسير في وسط رمال وصخور داخل "مدقات".. ثم توقف وقال لسائق الحفار:

- احفر هنا

اتلفت حولي يمينا ويسارا..
لم أجد ما يلفت انتباهي إلى أي علامة أو دليل يفرق هذه البقعة عما حولها..
ولكنه أبي، ومن المؤكد أنه على حق
وبالفعل كان على حق

الآن.. وبعد هذه القصة بأكثر من خمسة عشر عاما عرفت لماذا لم تتحرك المدينة كثيرا نحو العمران في هذا الزمن الذي يكفي لنهوض دولة كاملة، وليس مدينة صغيرة
ثلاثون عاما..
فالأرض التي بنينا فوقها كانت ملكا لنائب من نواب مجلس الشعب
عذرا.. أقصد ملكا لزوجته
حتى لا تظنوا مثلا أنه استفاد من موقعه بالحصول على هذه الأرض، سواء بالشراء المباشر أو بالشراء من آخر
وحتى لا تظنوا أنه "سقع" هذه القطعة حتى يرتفع ثمن المتر منها من عدة عشرات إلى بضعة مئات من الجنيهات
فالآخرون هم من فعلوا ذلك
والآخرون هم من يبقون أراضيهم حتى هذه اللحظة في حالتها البكر.. رمال وصخور
والآخرون هم من لم يهتموا بقرار الدولة بأن من لم يشيد بيته.. ستسحب أرضه
فهؤلاء الآخرون يعلمون أن هذا ما هو إلا "كلام في الهوا"، لا يتم تنفيذه إلا على من ليس لهم ظهر بعد أن يشبعوه ضربا على البطن