3.8.11

إحنا آسفين يا ريس

بعد بعض المرافعات التي تراوحت بين الجدية والتركيز طلبا لحق الشهداء.. إلى الهزلية واللامعقول بادعاء أن مبارك.. مش مبارك
وأن هذا الرجل الذي يظهر ثابتا رغم كل شئ، ما هو إلا دوبلير.. جاء وهو معلول الصحة، في سن كبيرة، ليحمل أوزار شخص آخر دون أي ذعر أو خوف!

من حقك أن تشعر بحالة من التعاطف.. حالة من الشفقة
فالإنسان لا يملك قلبه
ولا أستطيع أن أنكر أني مررت بهذه الحالة اليوم، وأنا أرى الرجل نائماً لا حول له ولا قوة
هذا الرجل الذي كان ملء السمع والبصر
هذا الرجل الذي ظننا يقينا أن حكمه الأبدي لن ينتهي إلا بالموت (ليستقر بعدها في قبضة مبارك آخر)
أصبحنا نراه في قفص الاتهام في انتظار ما تسفر عنه المرافعات..
جُررتُ إلى حديث بالأمس عن المحاكمة، وعن أن هذا الرجل رمز لمصر، أو على الأقل هو بمثابة الأب.. فإن كان أبوك فاسدا.. هل ذلك يعطيك الحق في أن تهينه؟

لا أجد ردا مناسبا على هذا إلا شئ واحد :
( إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) رواه البخاري 

فهذه ابنة الرسول (صلى الله عليه وسلم).. يتعهد أبوها بأنها إن ارتكبت ما تستحق عنه العقاب، لأمر بنفسه بمعاقبتها
فالأمر لا يخضع للعواطف الإنسانية.. بل هي حقوق، إما أن تسري على الجميع إقامة للعدل
وإما أن تزال من على عواتق الجميع إقامةً لقانون الغابة

وليسأل كل منا نفسه..
إذا سُرقت.. إذا اعتُدي على ابنك أو ابنتك.. إذا فقد أحدهم روحه بفعل فاعل، وفوجئت أن الفاعل رجل كبير..
أو رجل تحبه..
أو رجل عاشرته طويلا..
هل تسامحه؟ هل يغفر هذا له خطأه في نظرك؟
لا أعتقد

9.6.11

ست أسرار

فكرة التدوينة دي مش فكرتي..
وهي إن كل واحد يكتب ست أسرار عن نفسه، وبعدين يعمل زي "tag" لستة تانيين يكتبوا عن نفسهم
اتعمل لي "التاج" التمام.. وكتبت
وبعدين قلت أكتب الكلام ده هنا
اضطريت أغير الفكرة شوية.. لأن ما عنديش أسرار كتير.. واللي عندي ما يهمش حد إنه يعرفه
تاني حاجة.. لأني فقدت القدرة على إني أقول أي سر عندي لأي حد
بعد عدة تجارب، سواء مع أصدقاء، أو مع أقارب.. عرفت إن السر اللي بيطلع مني، ما بقاش سر.. عمري ما قلت لحد حاجة على إنها حاجة بينا وبين بعض.. ولقيتها فضلت كده فعلا.. والحمد لله ما كنتش بأقول غير اللي لو اتعرف مش هيعمل لي مشكلة أو يسبب لي صدمة (أكتر من صدمة إفشاء "السر")
عشان كده هاكتب 6 حاجات عن نفسي وخلاص
1
العبد لله واحد عادي جدا من الطبقة المتوسطة.. ممكن نقول المرتاحة إن جاز التعبير
2
كنت من النوع اللي بيعيط بسهولة جدا وهو صغير.. اتقال لي إن ده عيب وما يصحش، والراجل ما يعيطش.. الراجل لازم يبقى جامد
الحمد لله ما بقيتش باعيط..
خالص..
مهما حصل.. حتى في حالات الوفاة القريبة مني جدا..
وحتى لو كان حزني عليها مخليني في حالة سيئة جدا جدا
لما الدنيا بتسود في وش الواحد -زي اليومين دول كده- الواحد بيحس وكأن صدره مربوط..
متكتف..
مش قادر ياخد حتى النَفَس..
وما باحبش أشتكي لحد عشان ما أصيبش أي حد بحالة الاكتئاب اللي عندي.. وبالتالي تزيد الربطة والخنقة والتكتيفة
لكن البكاء؟ خلاص.. كان زمان
متهيألي ده هيخليني أخد استمارة 6 بدري بدري والله أعلم
3
بادرس الطب
أحيانا باحس إني عملت أغبى اختيار ليّ في حياتي
وأحيانا باحس إن هو ده الاختيار الوحيد المناسب.. ما كنتش هانفع في مجال تاني
في سنة سادسة.. وما زلت شاكك في صحة القرار ده!!
4
مريت بكذا هواية
لما كنا بناخد رسم في المدرسة حاولت أرسم بجد.. وخدت فعلا 20/20 في تالتة إعدادي
لكن انقطعت الصلة من ساعتها بيني وبين الرسم إلا شوية شخابيط كده

كان عندي أورج صغير في البيت..
كنت باعرف أعزف عليه شوية كده، لكن برضه ما اهتمتش بالموضوع إني أدرس بطريقة احترافية أكتر.. لسة لحد دلوقتي باقعد مع نفسي كده.. بس مش بالاهتمام الكامل
حاليا باكتب أي حاجة تيجي في دماغي وأحطها في المدونة اللي تقريبا كنت أنا الزائر الوحيد ليها
بس الحمد لله دلوقتي انتشرت وبقى ليا اتنين من المتابعين
:)
أدمنت مؤخرا كل ما يتعلق بالكومبيوتر أو الإنترنت..
وبدأ الموضوع يتنقل لمرحلة الهوس بكل جديد في الحاجات دي
بس الحمد لله في حاجات كتير محجماني.. وربنا يستر
حبيت القراءة اللي بجد على كَبَر.. لكن القراءة اللي "أي كلام" كانت وأنا صغير
كنت باقرا فلاش وسماش بس..
ما مريتش برجل المستحيل وملف المستقبل زي باقي الناس :)
ولما كبرت ما بقيتش عارف إيه الهبل اللي كنت باقراه ده
لكن دايما شايل لخالد الصفتي "كاتب فلاش وسماش" جـِميل إنه عودني أمسك كتاب وأقراه.. ودي لوحدها كفاية
باحس إن تعدد الهوايات ده هو اللي مخليني مش بالقوة الكافية في ولا واحدة منهم
بس بارجع وأقول ما دمت مش هاشتغل بيهم ولا هادخل منافسات مثلا.. والموضوع مجرد تسالي
يبقى خلاص.. المهم الواحد بيبقى مبسوط
5
باحب القعدة الحلوة.. وأكره أي زيارة يكون الناس فيها "منشيين".. ويمكن واخد الحكاية دي من أهلي من الناحيتين
ورغم كده ممكن أتضايق بسهولة لو الموضوع دخل في سكة التريقة.. حتى وأنا متأكد إنه هزار، خصوصا إني باكره التريقة على أي شخص عموما ما دام مش موجود.. مش التريقة عليا أنا بس.. وبرضه رغم كده بانسى بسهولة أحيانا
وباعمل نفسي مش واخد بالي أحيانا
ووشي بيتغير كثيرا!

للأسف ما باعرفش أمثل إني باحب فلان وأنا ما باحبوش، وما عرفتش الموضوع ده غير قريب
كان مفروض عليا البقاء مع ناس مش بارتاح لهم، واتعاملت معاهم عادي جدا.. بس اكتشفت إني كان واضح عليا جدا
واتقال لي نفس المعنى من كذا حد في كذا مناسبة..
اللي باحب وجودي معاه بيبان عليا.. واللي ما بارتاحلوش بيبان عليا برضه
مش عارف دي كده ميزة.. لأني كده أبقى صريح
ولا عيب.. لأني كده ممكن أبقى مش مُجامل كفاية!
6
باحب السواقة جدا.. خصوصا على الطرق المفتوحة
ورغم كده ما باحبش الجري بالعربية
:)
أحب أشغل أي حاجة جنبي وأعيش مع الطريق.. وأعيش مع نفسي

16.5.11

المطالبات "الفقوية" قبل الانتخابات الرئاسية

اهدأ
ولا تنفعل
فالكلمة مقصودة، وليست خطأً إملائيا نابعا عن لغة الفيس بوك.. من عينة "اسقل سؤال للي بعدك"، و"متهيقلي"

اتحدث عن طريقة تفكير، ما زالت سائدة ومسيطرة على التفكير المصري والعربي بشكل عام.. ظهرت وتجلت في ترشيح السيد مصطفي الفقي لأمانة جامعة الدول العربية
فالرجل الذي سبب ترشيحه صدمة للرأي العام المصري، والذي هاجمت الأقلام ترشيحه لهذا المنصب.. انبرى له بعض الإعلاميين -مدافعين- ليوبخوا هؤلاء المهاجمين، حيث أن هذا الرجل أولا وأخيرا.. مصري
وإن كان القطريين أولاد عمومة، فالرجل بالتأكيد أخ.. والمصري عليه أن يلتزم بعقيدته المصرية الراسخة بأنه وأخيه دوما على ابن العم، وبعد ذلك كنا مع ابن العم على الغريب
ولا يهم وقتها ما هي الخلفيات أو الأبعاد.. ومن منهما -الأخ وابن العم- هو الأحق والأجدر
فيكفينا أن المنصب "مش هيخرج بره".. وستظل مصر محتفظة به "وخلاص"..
فهذا شرفٌ كبير، يوازي شرف الاحتفاظ بحق الرفادة والسقاية أيام الجاهلية

طريقة التفكير "الفقوية" تلك.. ليست جديدة ولا مستحدثة، وإنما هي مبدأ قديم
فقد خرج الإعلاميين من قبل مطالبين المصريين أن يصوتوا لهشام الجخ، وذلك كان لسبب وجيه.. ألا وهو أن "الراجل ده هو الوحيد اللي بيمثل مصر في المسابقة دي، ولازم نكسِّبُه"
وكنت أشعر أن المطلب سيكون أكثر اتزانا وأكثر منطقية لو قال أن السبب هو موهبة هشام الجخ، وقدرته على جمع الناس لتسمع الشعر مرة أخرى

كل ذلك ليس المشكلة الحقيقية
ولكن المشكلة أن الشعب المصري عانى من ذلك المبدأ المتخلف سنوات وسنوات، حيث ارتبطت كراسي مجلس الشعب بالعائلات، والقبليات.. وأصبح الانتخاب في الكثير من الدوائر مرتبطا بعائلة فلان، أو قبيلة علان (وقد استمالهم الحزب الوطني حتى ترضى جميع الأطراف)

وأصبح الخوف الآن بعد كل ما حدث في البلد أن ندور ندور، لنجد أنفسنا في نفس المكان.. نسير في نفس الاتجاه السابق، يشرّع لنا ويحكمنا المال والنسب والحسب

أصبح علينا أن ندرك حجم الدائرة التي نتحدث عنها
فعندما نتحدث عن مرشح لمجلس الشعب من المنيا.. إذا فعلينا اختيار أفضل "منياوي" يفيد أهل دائرته.. حتى وإن لم يكن من عائلتنا
فإذا انتقلنا لدائرة رئاسة الجمهورية.. تسقط حينها القبليات والعائلات، ونختار "المصري" الأفضل للإمساك بدفة البلاد
أما عندما نتحدث عن مرشح لجامعة الدول، إذا نحن في الدائرة "العربية".. وعلينا اختيار أفضل "عربي" يفيد العرب، ولا نتشنج وتنتفخ عروقنا دفاعا عن ابن بلدنا لأنه مصري!!
فقط لأنه مصري!!

وبعد كل هذه المجادلات، نفاجأ بين لحظة وأخرى أن يُسحب المرشحان ويتم التوافق على شخص فاضل اسمه نبيل "العربي"..
وكأنها اشارة قدرية باسمة تدعونا لنبذ التعصب والانحياز للقرابات والعصبيات الخاصة
من أجل الانحياز نحو المصلحة والفائدة العامة

16.4.11

رجب.. حوش حزبك عني

أصر على الإطلال علينا بكلمة واحدة..

مش كل اللي في الحزب فاسدين.. والله كنا كويسين
محمد رجب..
أمسك منصب أمانة الحزب بعد أن استلمه، ورائحة العفن تنطلق من جنباته
ويتهرب الناس من علاقاتهم السابقة به -أقصد الحزب- كما يحاول المرء التهرب من قضية آداب مكتملة الأركان

وما زال الرجل مصرا على هذه الكلمة، ليس هو فقط، بل وكل زملاء الحزب.. كالدكتور مصطفى الفقى ود. حسام بدراوي، الذين يصرخون الآن بأنهم "كانوا حلوين والله العظيم".. وأن الحزب "فلة شمعة منورة"، لكن الفساد كان من "قلة مندسة" داخل هذا الحزب الشامخ

بل وفجروا المفاجأة المدويّة، بأنهم داخل الحزب كانوا معارضةً حقيقيـّـة
ولأنهم مصريين على حق، فقد قالوا دوما للغلط لأ
ووقفوا دائما موقف الرجال، في سبيل تحقيق المحال، حتى وإن أغضبوا عز وجمال
ولكن الحزب كان تحت سيطرة هؤلاء الشرذمة القليلون، الذين سرقوا الكحل من العيون
ومن العجب العجاب أن وجودهم في الحزب كان أخذا بالأسباب، ليسدوا أمام الشر كل باب، من داخل جدران الحزب العظيم ذو الأصل الساداتي الكريم

ولهذا..
فقد قرروا أن يتجهوا للنائب طلعت السادات، ليس لاستعادة كلمة السادات "وخلاص"..
بل هو حفاظا على مبدأ الحزب الأصيل في التوريث، فإن لم يستطع "جيمي" أن يرث أباه، فليرث السادات عمه.. فهو كإبنه وضناه

ويبدو فعلا أن هذا من باب الحفاظ على المبادئ المتأصلة في الحزب، فما أن أمسك السيد طلعت السادات بالميكروفون، وهو المعارض السابق، حتى تلبسه "عفريت الحزب" اللعين، وصرح بكل ثقة أن الحزب.. هو حزب الأغلبية، وسيظل دوما حزب الأغلبية.. وأنه سيعمل من أجل الغلابة (وهي الكلمة العامية لمحدود الدخل)
وأكد أن من يريد أن يقول عليهم أنهم من الفلول.. فلا وألف لا.. فـ"مش إحنا اللي يتقال لنا كده"

ولا أجد ردا على أنهم كانوا معارضين إلا أن أضرب كفا بكف وأقول لهم "عايزين تضحكوا على مين؟".. فبقائكم في الحزب كل هذه السنين، ما هو إلا اعتراف بأنكم "موافقين مهللين".. ويكفي أن وجودكم ساعدهم في أن يعِدّوكم في أغلبية الثلاثة ملايين
وإن كنتم حقا حاولتم التغيير وفشلتم.. فلماذا لم تتقدموا باستقالة من الحزب، وتكونوا أرحتم واسترحتم؟

وأخيرا أطلب من السيد رجب، ألا يحاول أن يصنع من الفسيخ شربات.. وأن يستجيبوا لحكم المحكمة ولا يبكوا على ما فات..
وأهدي له أغنية

رجب.. حوش حزبك عني

23.3.11

المحب دائما

سور السيدة زينب للكتب..
صف طويل من الكتب العربية والأجنبية..
مجلات..
كتب أطفال..
كتب مدارس..

أصل لآخر محل في الصف
يلفت نظري كتاب أعرفه، فيُسلـِّـمُني لكتاب فوقه
أمسك به
لن تكذب إن وصفتَه بأنه لسة بشوكه، ورغم ذلك فهو يباع وسط الكتب المستعملة، ويبدو عليه أنه لم يفتح ولو لمرة واحدة

أفتح الغلاف لأجد إهداءً مكتوبا بخط الرقعة بقلم جاف :
إلى الأخ الحبيب / سالم
المحب دائما :
              فلان
          15/4/2010

أغلق الغلاف لأفاجأ أن فلانا هذا هو نفسه المؤلف (!!)
لا أدري لم شعرت بهذا الكم من الحزن..

تسائلت..
إن كانت الرواية لا تستحق أن ينظر ما كتب صديقه..
ألا يجد عنده مساحة 20×20 سم تحتوي هذا الكتاب؟
ولو حتى لمجرد الذكرى؟
هل هو حتى لا يأبه ماذا سيقول إن سأله صديقه عن الرواية؟

أم لعلي بالغت، والموقف لا يستحق كل هذا
أم أني ظلمت الرجل، وما حدث إلا أنه فقد الكتاب بطريقة أو بأخرى وأضناه البحث عنه، حتى استقر بين الكتب المستعملة
لا أدري

2.3.11

أقر وأعترف : أنا محتاج الشرطة

أعتقد أن هذه العبارة هي التي يستكبر أو يخاف أو يخجل أن يعترف بها كثيرين منا
نعم.. أنا أحتاج لتواجد الشرطة
وأعترف أن الحياة الآن أصعب كثيرا بدون التواجد الأمني للشرطة

"مش هي دي الحرية؟
مش هو ده التحرر اللي انتوا كنتوا عايزينه؟
مش كنتوا عايزين تخلصوا من تسلط الشرطة وساديتها؟
مش هي دي الديمقراطية والعصر الجديد اللي عايزين تعيشوا فيه؟
يلا.. آدي كل اللي عايزينه اتحقق.. استمتعوا بيه بقى"

بالطبع الإجابة على كل هذه الأسئلة هي لا
من يريد أن يخرج من بيته ليذهب لعمله دون أن يطمئن على نفسه في طريقه، أو على أخته التي اتخذت طريقها لمدرستها، أو على أمه التي بقيت بالبيت بمفردها؟
من منا يريد أن يسير في الطريق متجنبا أي شئ قد يشعل خلافا مع أي سائق آخر على الطريق خوفا من العبارة الشهيرة التي تقتضي أن أحضر أعلى خيلا لدي لأركبه؟

تدور الآن تحقيقات "رسمية"، ونقاشات ومجادلات "فيس بوكية" حول الحادث الذي نتج عنه سائق مصاب بطلق ناري، وضابط ملقى بالمستشفى، وسيارتين محترقتين، واحتقانا آخر بين الشعب والشرطة
أفقد القدرة حتى على أن أميل لصف أي منهما.. لا للضابط ولا للسائق
ولكن فلنفترض أن رواية الضابط هي الصحيحة، السائق استفزه وخرج عليه مشهرا مطواته فاضطر الضابط لتهويشه بسلاحه.. ازدادت حدة الأحداث وخرجت الرصاصة لتصيب السائق في رقبته، وتصيب المارة في صبرهم فيهجموا على الضابط ثم على كل ما له علاقة بالداخلية

ويتعجب كل ضابط من هذا العداء الغريب الذي يكنه لهم الناس.. فكيف يقوم هو بحمايتهم والسهر على أمنهم، فينتهي به الحال لهذا النكران الشديد؟ وهذا العداء "غير المبرر"؟
وأتعجب أنا شخصيا من هذا التعجب!
 
أتريد أن تعلم لماذا؟
ادخل على اليوتيوب وابحث عن جرائم الشرطة/انتهاكات الشرطة/سادية الشرطة
من المؤكد أنك سترى فيديو يقوم فيه الضابط بصفع شخص ما بما يزيد عن العشرين أو الثلاثين صفعة، ثم يشير له بحركة "قبيحة".. وينفجر ضاحكا!!
قد يكون هذا الرجل متهما، ولكن هل هذه طريقة الاستجواب؟
وهل من حق الضابط الحكم وتنفيذ العقاب؟
 
قد تجد ابنة مدير الأمن التي تنفجر سبابا لشخص "شجار بسبب السيارات".. ولكنها لا تتورع عن سبه بأمه و"باللي خلقه"!! حيث أن أباها سيربيه.... إلخ
 
لن أحدثك عن عماد الكبير حيث حكم في قضيته تلك على الضابط بالحبس.. ولا نعلم كم من عمادٍ كبيرٍ لم يحكم له
لن أكلمك عن خالد سعيد الذي ابتلع لفافة بانجو فقتلته خنقا وضربا حتى كسرت له عظام جمجمته
 
إن كانت هذه حالات فردية شاذة، فاسأل أي شخص تعرفه إن كان قد رأى أي انتهاك من قبل ضباط الشرطة أم لا
من المؤكد أنك ستجد الكثير ممن يحكون لك ما رأوه
 
هل أقول لك أنا ما رأيت؟
رأيت -وكلنا رأينا- ضابطا يقفز في سيارة ميكروباص، آمرا السائق أن يطلع، وبينما يرجوه السائق أن يتركه لأنه في أول اليوم.. يسبه الضابط آمرا له بأن ينفذ ما يقال له بروح أمه "أم السائق طبعا"
رأينا كلنا ذلك ونحن نعلم أنه سيأخذ هذا الميكروباص ليتمم به عمله (لم نعترض على هذا) ولكننا نعلم أن هذا السائق سيتحمل هو التكاليف!!
 
رأيت في مرور حلوان شخصا ينفجر ضجرا من الإجراءات الغبية القذرة التي "يتمرمط" فيها كل مواطن من أجل استخراج رخصة أو تجديدها، وعندما يسأله الضابط، ويقول أن هذا حرام وأن الإنسان من حقه.... يقاطعه الضابط "إنت فاكرنا في حقوق الإنسان هنا؟ اطلع بره اقف جنب المكتب لحد ما أجيلك"
 
أقول لك أنا ما عايشت؟
نشتري أرضا، ونسجلها بالشهر العقاري حسب الإجراءات الكاملة التي تضمن أننا بالفعل اشترينا، وأن البائع بالفعل يملك.. وهذا بضمان الدولة نفسها
ثم يتم وضع اليد على هذه الأرض.. ننفذ إجراءات المطالبة بحقنا، ولكنها تقف دون سبب مقنع مرة تلو المرة، حتى نعرف أن هناك ضابطا يقوم بافساد الإجراءات حتى يتم رفض المحضر (أو كما يقال يبوظولنا المحضر)!! وما زال الحال على ما هو عليه للآن
 
الحكايات كثيرة، ولم ألاقِ منها إلا القليل
ولكنها تفسر هذا الغل الذي تعامل به سائق الميكروباص مع الضابط
تفسر التصديق التام لقصة السائق من عامة الناس، وكأن هذا هو البديهي
فالحُكم لم يكون على موقف بين سائق وضابط.. بل الحكم انطوى على المشاعر السلبية التي رباها الضباط على مر السنين لدى الناس، حتى أصبحت النظرة العامة لكل ضابط هي أنه إنسان سئ حتى يثبت العكس
 
طيب والحل؟
أعتقد أن الحل الآن في يد وزارة الداخلية
فعليها أن تعترف أولا بأن ما وقع من أخطاء لم يكن مجرد أخطاء فردية.. ولكنها كانت أحداث كثيرة متكررة.. تُركت بدون علاج، حتى تلوثت سمعة الضباط الشرفاء بأفعال الضباط المنحلين
 
على الضباط أن يعرفوا أنهم جزء من هذا الشعب ويتصرفوا على هذا الأساس، ليتم إصلاح العلاقة بينهم وبين "باقي الشعب".. فلا أجد الطرفين يتكلمون وكأنهم شعبين مختلفين.. فأرى فيديو على موقع فيس بوك وتحته تعليق :
"هو ده اللي اتعلمناه ف الكلية يا شعب ولو عايزين ناكلكم كنا عملنا بس للأسف قلنا اخواتنا قالو يهود"
ليذكرني بمحمد صبحي وهو يقول "طيب يا شعب.. يا أنا يا انت في البلد دي"
 
يجب أن يعرفوا أني أعترف بأني لا أستطيع أن أعيش بدون الشرطة.. مثلما لا يستطيع أي ضابط أن يعيش بدون الأطباء أو البقالين أو السباكين أو عاملي النظافة في الشوارع.. هذا تكامل طبيعي في أي بلد.. وليس تفضل من طائفة على طائفة، أو من مهنة على مهنة
 
بل أنا أطالب معهم الداخلية أن تنظر بجدية إلى أحوالهم المعيشية والمادية، فلا يعقل أن يكون الضابط يعمل في مهنة بها هذا الخطر من ناحية وهذه الإغراءات من ناحية أخرى، ولا يأخذ المقابل المنطقي.. وبعد ذلك تتم المحاسبة الحقيقية لكل ضابط في إطار الثواب والعقاب.. فلا يتم التستر على أي مخطئ، لأن محاسبته ستحفظ كرامة وصورة الداخلية أفضل من التستر عليه وإنكار جريمته
 
عليهم أن يعترفوا..
عليهم أن يفهموا..
عليهم أن يفعلوا..
وماذا عن الناس؟
صدقوني لا يريد أحد أن يحيا خائفا على نفسه، ولا يريد أحد أن يدخل عهدا يسود فيه قانون الغابة
وبمجرد أن يرى الناس اعتذارا حقيقيا عن أخطاء الماضي بعيدا عن كلاشيهات "القلة المندسة" و"الفئة القليلة"
ومجرد أن يجدوا وعودا جادة بمستقبل أفضل من التعامل والاحترام المتبادل وعقاب المخطئ أيا كان منصبه أو مهنته.. فمن المؤكد أن الناس ستتعاون مع الشرطة وتحترم وجودها، وتساعد عليه أيضا
 

14.2.11

شكر أخير لرموز الحزب الوطني

في عز (سوري في اللفظ) فرحة الناس بالثورة المصرية، وفخرهم بالآراء الدولية عنها وعن تحضر شبابها.. يجب علينا أن نعطي كل ذي حقٍ حقَّه..
ويجب أن نبدأ بإعطاء مواقع المسئولية لمن هم أجدر، وليس من هم أقدم..
وبعد ذلك يُعطي الشكر لكل من يستحق، ويحاسب كل من لا يستحق.. فينتهي العصر القائل بأن "اللي له ضهر ما يتضربش على بطنه"، حيث يجب أن يصبح كل المصريين ظهورا لبعضهم البعض

وفي إطار إعطاء الحقوق لأصحابها.. أجد لزاما عليّ أن أوجه الشكر للحزب الوطني نظرا لدوره الكبير في نجاح الثورة، ودوره في إظهار أوجه جديدة جميلة في الشعب المصري.. اختفت تحت قذارات التصريحات الكاذبة والتقارير الملفقة

فمَن مِن المصريين يستطيع الآن إنكار أن جمال مبارك أصبح فعلا هو "مفجر ثورة التغيير"؟
ليس في الحزب فقط، بل في البلد بأسرها.. فلولا وجوده وسياساته الفاشلة واستعانته بالمنتهزين والمتسلقين، لم يكن ليتحرك أي مواطن مصري أو يفكر في تغيير أي شئ طالما أن "المركب ماشية"

ومن منهم يستطيع إنكار الدور السياسي الكبير لـأحمد بك عز في تحريك الثورة؟
فلولا وجود رجل مثله بكل ما يمتلك من جهل سياسي تام؛ ولولا أنه "فكر وقدّر".. بل ونفذ أن يكون مجلس الشعب كله مننا وعلينا (من الحزب وعلى الشعب طبعا)، ونسي إن النسبة الضئيلة للمعارضة التي كانت كالساعة (يعني لا بتقدم ولا تأخر) هي التي تزين تورتة المجلس الموقر، وهي "حصوة الملح" التي "بتخزي العين" من أي شخص حسود قد "ينش" إنجازات الحزب عين..
وبالتالي، ومع نقص حصو الملح في العيون، اتسعت عيون الحاسدين واستطاعت أن "تجيب الحزب الأرض" على طريقة "لمس الأكتاف" بعد 18 عَدَّة من الحَكـَم
وهذا ما جعل سمعة الحزب ومسئوليه تتنافس بقوة مع سمعة أي صفيحة من التي نراها أمام الشقق في البيوت

لكن الحزب لم يكتف بهذا، بل تعامل أيضا مع المطالب والمظاهرات بحكمة تامة، استطاعت تحويل مطالب التغيير إلى إصرار تام على الإطاحة، وجعْل المظاهرات تتحول إلى ثورة شعبية

فبقرار تسييب البلطجية على الشعب، والذي يشبه تعذيب المعتقلين بتسييب الكلاب عليهم، استطاع الحزب إن يجعل الشعب يدا واحدة، وأصبح أي كلب مسعور يأتي باحثا عن قطعة من العظم، يخرج وقد أصبح وجهه كالبالون المنتفخ، وكأن الناس تضرب فيه كل الخونة والبلطجية الذين حققوا نبوءة عادل إمام "لو كل واحد عزّل عشان تحتيه واحدة رقاصة، البلد كلها هتبات في الشارع"..
لنكتشف أن الفاسدين والمتسلقين أشد خطرا على أخلاق وحياة الناس من أية راقصة مبتذلة

بل وتأتي الخدمة الأعظم، حيث تسببت أحداث بلطجة الوطنيين "نسبة للحزب الوطني"، في إثبات أن الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين لم تكن إلا أكذوبة كبيرة، جعلنا النظام السابق نحيا فيها، إما لخيانة داخلية أو غباء أزلي في التعامل معها
فرأينا المسلمين يصلون في التحرير في حماية المسيحيين، ورأينا المسيحيين يقيمون قداسا وسط عددٍ هائلٍ من المسلمين.. دون أية مشاكل
بل والأكثر أن الكنائس التي طالما رأينا قوات الأمن تقف أمامها، أصبحت تمر عليها الأيام دون أية حراسة، ولم تحدث أية اعتداءات عليها بفضل الله

بل قد ظهرت خدمة جليلة بعد التنحي، وهي أننا أصبحنا نرى برامج الإعلام المصري أكثر قوة، وأكثر ثِقــَلا بعد استضافة رموز مصرية مثل أحمد زويل وعمرو خالد ممن منعوا من الظهور فيه من قبل.. لنرى الفارق الشاسع بين التليفزيون الآن وبينه أيام كان لا يستطيع استضافة "المغضوب عليهم" مما يضطره كثيرا للإحتفاء بـ"الضالين"

وأخيرا..
نرى الدور الأبرز لرئيس الحزب السيد حسني مبارك.. والذي نستطيع الآن بالفعل أن نقول بملء الفم أن الثورة المصرية لم تكن لتنجح لولا تعليمات السيد الرئيس، ولولا بياناته التي كانت تأتي متأخرة بما يكفي لحث الشباب على الاستمرار في الثورة، حتى حققوا كل مطالبهم

فلكم الشكر كل أعضاء هذا الحزب، ونرجو ألا نرى أي "وطني" منكم لاحقا في أي ما يتعلق بحياتنا السياسية أو العامة، إلا كمواطن عادي.. مثلكم مثل أي مواطن آخر اكتوى بناركم، وشرب ذلكم حتى الثمالة

13.2.11

الذي اقترب.. ورأى


* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
*  اسم المقال مقتبس من قصة للروائي علاء الأسواني  *
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

عدة دعوات تأتيني للنزول يوم 25 يناير
كالعادة أضغط بلا مبالاة على الزر الشهير ignore.. فلطالما رأيت التظاهرات اللي تطلقها كفاية أو "بتوع كفاية" كما كان اسمهم في الشارع، وهي عدة تظاهرات.. تُبحّ فيها الأصوات ويُضرب فيها المتظاهرين ويُعتقل بعضهم وإذا لزم الأمر فلا مانع من التحرش بعدة متظاهرات حتى ينفض المولد.. ونظل شهرًا أو اثنين نقرأ مقالات التنديد بالأداء الأمنى وتعامل الحكومة مع المظاهرات
ثم.. لا شئ

كنت متأكداً أنها لن تزيد على هذا، وما هي إلا فورة حماس نتجت عن الأحداث التونسية.
قضيت يومي واليومين التاليين على هذا الأساس مع ملاحظتي لارتفاع حدة الأحداث قليلا عن ذي قبل

ليبدأ يوم الجمعة..
وأجد أن الحدث أصبح حدثا هاما فعلا، وأن الجيش نزل إلى الشوارع فعلا، ولتبدأ بداخلي النزعة لمشاركة هؤلاء في مطالبهم التي بدأت تأخذ مأخذ الجدية
وما أن أتى الليل حتى أعلم أن الشوارع امتلأت بالبلطجية
وحتى أجد نفسي مضطرا لصرف النظر عن النزول للمظاهرات، من أجل مهمة أخرى
فقد وجدت نفسي لأول مرة مضطرا أن أبيت أمام بيتي، مع الجيران (وهم قلة لحداثة المنطقة التي أسكن بها).. ووجدتني أدور على مداخل المنطقة لغلقها بالكتل الحجرية وبقايا الشجر
ووجدتني لأول مرة ممسكا بقطعة حديدية (يعرفها أهل المعمار بالقمطة) كسلاح، معضدا لها بعلبة بيروسول وقداحة كخطٍ ثانٍ للدفاع!
وجدتني أجلس أمام كتل خشبية مشتعلة من الخشب مستمتعا بحالة المبيت لحماية بيوتنا وأهلنا.. رغم كل حالة القلق والترقب التي تنتابني مع كل طلقة أو دفعة طلقات نسمعها في الأفق لا نعلم لها مصدراً أو هويةً

حتى أتى الخطاب الذي جعلني أبيت منتشيا يوم الثلاثاء، والذي شعرت أنه ضمن لنا تغييرات عديدة ولم يعد من الصبر إلا ساعة قدرها ستة أشهر.. لاستيقظ مصدوما من مشاهد طالما رأيتها بين أهل فلسطين وإسرائيل.. ولكن المروّع ها هنا أنا بين مصريين.. ومصريين
أصبحت أرى أحجارا تتطاير يمينا ويسارا، ومنها إلى قنابل نارية، تُرمى حتى على مدرعات الجيش!!.. حتى تتحول إلى طلقات رصاص مجهولة المصدر.. لينكسر الأمل في التعديل الذي تأتي ثماره بعد ستة أشهر، ونبدأ في التأكد من أن الحداية ما بتحدفش كتاكيت وأن الزمار حتى وإن كان يموت، فإن صوابعه بتلعب حتى النهاية

وبدأت الأخبار المتناقضة تتزايد.. وبدأت الإشاعات تزداد
وشعرت بالخوف
الخوف على بلد تحترق ونحن لا نعلم أهي خيانة داخلية أم مؤامرة خارجية
الخوف الذي يشعر به طفل يكتشف أن أمه لم تعد تسير بجواره وأن كل من حوله لا يعرفهم
وقررت الابتعاد.. حتى يتبين لي منْ يحارب منْ.. ومن المسئول عن هذه المشاهد المرعبة

وتزداد حدة التناقضات في الأخبار..
اللي هناك كلهم إخوان.. اللي هناك أجانب.. دي ثورة محترمة.. اللي هناك شباب بايظ بيضرب مخدرات وهو في الميدان.. في حد بيحركهم من برة البلد.. دول بيناموا في خيام في الشارع الولاد والبنات مع بعض.. في حد بيحركهم من جوة البلد.. ما ينفعش يتنحى عشان الدستور مش هيتغير.. دي عيال أغبيا ودماغها ناشف.. عادي جدا إنه يتنحى والدستور يتغير، الشرعية شرعية الشعب.. العيال دي بيجيلها وجبات كنتاكي.. كلنا في الميدان زي بعض.. كفاية بقى لحد كده ما جتش من ست شهور.. لازم ندعم ثورة الشباب..

كانت هذه الأخبار تدفعني لشئ من اثنين..
الجنون أو النزول
قررت أن أنزل.. وأرى.. أن أكوّن رأيي بنفسي، حتى وإن لم يهتم به أحد
انضممت لمسيرة الأطباء، والتي توقعت أن تزيد على مئتي فرد، لأفاجأ بأكثر من ألفي طبيب.. أفاجأ بمسيرة عددها أكبر من أن تجتمع على ترديد هتافٍ واحد
مسيرة تأخذ نصف شارع قصر العيني ليمتلئ النصف الآخر بالمشاهدين والمصورين والمشجعين
رأيت الناس تخرج من الشبابيك لتصفق وتشجع

وما أن عبرت "نقطة التفتيش" حتى أفاجأ بأكوام القمامة.. لأعرف أن هناك لجانا تشكل لتنظيف المكان أولا بأول
خطوتين لينطلق الأذان من الإذاعات الداخلية لصلاة الظهر، وفي خلال دقيقتين تتراص الصفوف وتبدأ الصلاة بإمامة شيوخ الأزهر.. وبعد ذلك أجد المسيحيين منتشرون في المكان دون أدنى مشكلة

رأيت بعيني الرجال والنساء بالفعل في خيمة واحدة.. وبالطبع يلعب بجوارهم أبنائهم، وغالبا معلق على الخيمة أنهم جائوا من سيناء/ناهيا/أو حتى المنوفية لنفس الهدف

رأيت المستشفى الميداني وأفراد تأمينها، وأشخاص أتوا بسياراتهم لنقل عدة كراتين من العصائر والأدوية

وأخيرا.. رأيت الوجبااااااات.. وما أدراك ما الوجبات
ينادي عليّ أحد الأشخاص "اتفضل يا أستاذ.. يا أستاذ.. اتفضل دول" موجها إلى يده بأطباق من المخبوزات، آخذها وأعطيها لمن جلست معهم
لا يمر من الوقت غير قليل حتى يتكرر الموقف من شخص آخر، ونظل في محاولات اقناعه بأننا خدنا والله ومحاولات اقناعنا بأن إيه المشكلة؟ خدوا تاني.. زيادة الخير خيرين
ثم يأتي ثالث مناولا إيانا علبة كيك مونجيني.. ثم يأتي رجل بسيط مصرا على إعطائنا التمر.. ثم آخر لتوزيع قطايف!!
وأخيرا.. يأتي الدجاج.. الوجبات.. الفراخ الآثمة التي توهت عقول الشباب لتقنعهم بالبقاء في الميدان أبدا.. بالطبع كان أحد أفراد المجموعة تطوع ليكون الغدا عليه النهاردة بأرز ودجاج "بيتي"

رأيت الزحام الشديد بدون أي تأمين تمر منه المنتقبة بجوار السافرة بجوار أخرى تدخن سيجارة.. يمر الشاب "الروش" بجوار الشاب الملتحي.. كل هذا ولا تحدث مشاجرات أو تحرشات أو حتى معاكسات

رأيت احتفاءًا عجيبا بأي جندي من الجيش يمر خلال الأفراد وهم يكادون يحملوه حملا

رأيت أشخاصا مثقفين وأناس بسطاء يقف جميعهم مرددين يا حبيبتي يا مصر أو أحلف بسماها وبترابها

بل وأيضا رأيت بضع شباب ممن يتطوعون بالرقص في الأفراح الشعبية كنوع من المجاملة وهم يرقصون على أغنية حلوة يا بلدي.. ورغم أني وددت أن أخبرهم بأننا لسنا في فرح ابن العمدة، بل نحن هنا لنتخلص من العمدة وابنه..
إلا أن وجودهم أكد لي أن هذه الثورة ما زالت لا تنتمي لاتجاه.. ما زالت تعبر عن كل طوائف الشعب بما فيهم من حسنات وعيوب
خاصة عندما تجد هؤلاء الأشخاص التي ظهرت بـ"نصبة" الشاي، وكرتونة المياة، وعربة الفيشار.. كنوع من تقليب الرزق وأكل العيش

عاد احترامي لهذه الثورة كما كان من قبل.. وعاد فخري بهم كما كان.. وعرفت أنه سواء وجدت إرادة خارجية أو مؤامرة دولية للتغيير.. فهذا لا يهم، لأن الشعب نفسه يريد التغيير.. وبإذن الله سيكون ذلك في صالحه أولاً.. ولن يشرك فيه أحداً

ولم يتبق لي حتى أشاركهم إلا أن أعرف الإجابة على سؤال واحد.. وهو هل الدستور بالفعل عقبة (كما اقتنعت من قبل ودعوت الناس لذلك).. أم أنه حقا لا يوجد ما يقف أمام رغبة الناس؟
ولم يمهلني الرئيس (والحمد لله) حتى أبحث عن الإجابة.. حيث تنحى.. وفجأة يتضح أنه لا عقبات ولا يحزنون
ويتضح أن كل شئ ممكن.. وكل رغبة للناس سهلة التحقيق
ويتضح أن تعامل النظام مع المظاهرات نجح نجاحا مبهرا في اقناع المتظاهرين بالثبات على مواقفهم.. والإصرار على مطالبهم.. وكأنه يقول لهم أنا كده ووروني هتعملوا إيه

وأجد نفسي ممتنا للحظات انسانية عشتها مع هؤلاء الناس في الميدان
وممتنا للحظات عشتها أمام بيتي (كغيري من المصريين) حاملا قطعة حديد تمنحني بعض القوة وأنا لا أعرف كيف سأستخدمها إذا وقع المحظور
وأجد نفسي شاكرا لهؤلاء الشباب الذين كانوا السبب في تغيير مصر.. أو في أسوأ الأحوال غيروا نظرتنا لأنفسنا للأحسن.. والأحسن كثيرا جدا

2.2.11

عبيط القرية، ومصريزوفرينيا

أذكر زياراتنا المتبادلة، بيننا وبين أبناء خالتي، والذين يعيشون في بلدة ريفية تتبع محافظة الغربية

أتذكره جيدا.. بسماره الغريب، وجلبابه المتسخ الذي لا يتغير وقدمه التي يبدو أنها لم تعرف للحذاء أو حتى للـ"شبشب" طعما

إسداحمد المحرفة من الاسم سيد أحمد، والذي كنت أراه هناك دائما هائما على وجهه في القرية.. لا بيت له ولا مأوى إلا طرقات القرية.. وبقدر ما كان قلقي وخوفي منه، وشعوري بالاضطراب الذي أحاول جاهدا ألا يظهر عليّ إذا ما اقترب مني.. بقدر كل ذلك، كان تعجبي من تعامل أهل البلدة معه بتلقائية وأريحية شديدة دون تأفف لعدم نظافته، أو دون تذمر من اقترابه منهم

كان اسداحمد يتواجد في أي وقت.. يظهر وكأنه موجود دائما، ويختفي كأنه لم يوجد أصلا.. يجلس الرجال يثرثرون في أي حديث، وينزوي هو بجانب أي جدار.. أو بجوار أحدهم على الكنبة ممسكا بورق البفرة وعلبة التبغ منهمكا في لف السيجارة، يشارك أحيانا بكلمة أو تعليق ينم عن سذاجة طاغية في التفكير، أو تناقض في الكلمات والأفكار.. لا تكون إلا نقطة تحول بسيطة في الـ"الثرثرة" تدفعهم للضحك على طريقة تفكيره، أو تجذبهم لـ "نكشه" قليلا.. ثم يكملون كلامهم وكأن جملته لم تكن إلا جملة اعتراضية بين شرطتين يمكن حذفها دون أن يختل المعنى، ويمكن قرائتها أيضا من باب التسلية ليس إلا

لا أدري لماذا قفز إلى ذاكرتي في هذه الأيام.. خصوصا مع التغطية الإعلامية المتميزة من قنوات الإعلام الحكومي

الإعلام الذي انفرد بخبر المسيرات السلمية البسيطة يوم الثلاثاء، في الوقت الذي كانت ترصد فيه كل القنوات الإخبارية مظاهرات حاشدة في محافظات مختلفة بمصر

وهو الإعلام المتميز الذي أكد للناس استمرار بعض المسيرات السلمية ومحاول الإخوان تغذية الشغب بها يوم الجمعة؛ الذي كانت ترصده كافة القنوات العربية ناقلة أحداث ضرب المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع، والطلقات المطاطية، وسيارة الأمن التي تجري - كالفأر المذعور الذي أمسكت به النار - يمينا ويسارا صادمة أحد المتظاهرين في السويس ومحاولةً اصطياد آخرين

والأغرب أنه الإعلام الذي كاد يقسم على المصريين بالعيش والملح بألا ينصاعوا وراء محاولات التضخيم الإعلامي من القنوات الأخرى.. بعد دقائق من إعلانه حظر التجول لمدة تربو على نصف اليوم!

إعلام غطى بكفاءة المظاهرات وما بها من لافتات تحمل نعم لمبارك بجانب اللافتات التي تؤكد أن مبارك أمان مصر وهي المظاهرات التي وقعت بالفعل من ألف من البشر أو يزيدون، ولا أدري من أين أتت القنوات الأخرى بمظاهرات دخيلة بها أناس خلفهم شئ يشبه المتحف المصري يحملون تنبيه بأنه حان الآن وقت الرحيل حسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة.. أو طلبات بالرحيل تؤكد على أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، ناهيك عن بعض اللافتات التي تتطالب بالمحاكمة.. ومن السهل توقع كيف تم دس هذه المشاهد الدخيلة في ظل تطور برامج الفوتوشوب والـ3D.. وانتشارها كالمحمول في يد الجميع

ببساطة..

ترك الإعلام المصري العالم الواقعي، وانزوى بجوار الجدار حالما بعالمه الخاص، تائها في أفكاره، والتي شارك بها ليجعل من نفسه أضحوكة للمشاهد، المشاهد الذي نسى إعلامنا أنه ممسك باختراع يسمى ريموت كونترول يستطيع به ويا للعجب أن يرى كل شئ في قنوات أخرى..
وأصبح يمثل في طريق تغييرك للقنوات كالجملة الاعتراضية التي تستطيع تخطيها دون أدنى ندم، أو تستطيع قرائتها إذا كنت غير مريض بضغط الدم

وحتى إذا أطلق المشاهد اللعنات على قناة الجزيرة المغرضة ذات الأغراض الدنيئة.. فما زال أمامه قناة العربية أو الـbbc العربية، والتي عرضت الأخبار بشكل كامل وواقعي

ويبدو أن انتشار كلمة ثورة.. جعل إعلامنا المغوار يأخذ دور الإذاعة المصرية وقت النكسة.. والذي لم يكتف بأننا ندافع عن أرضنا ببسالة، ولكننا ومن باب لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد أصبحنا على مشارف تل أبيب "هنخلص قوام قوام وراجعين".. ليكتشف المصريون فجأة أن سيناء كاملة أصبحت "خارج نطاق الخدمة مؤقتا"

ووسط كل ذلك..
وقفت القنوات المصرية الخاصة موقفا أكثر تشريفا واتزانا.. وعرضت الأحداث وأكدت أنها فخورة بالشباب، وتبارت في إظهار هذا العمل الشجاع غير المسبوق، مع كامل الاحترام للرئيس وانجازاته، ولكن قد حان وقت التغيير و(والله مانا.. دول الشباب).. وما دام أراد هذا الشباب اللي يفرح هذا، فلابد أن نحترم رغباته.. وإذا الشاب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب الرئيس لمطالبه.. مؤكدة أننا نريد انتقال سلمي للسلطة في مصر يحقق للشباب مطلبه، ويكفل للرئيس خروجا آمنا من السلطة

وأخيرا، وبعد أسبوع من ميلاد المظاهرات، خرج الرئيس ليؤكد أنه رغبة منه في تحقيق آمال الشباب فهو يطلب من البرلمان تعديل المادتين 76 و 77 من الدستور بعد سنوات عدة "نشف فيها ريق المعارضة" لتنفيذ هذا الطلب.. وليطمنهم أنه كان يطمح -أساسا- للتخلص من أعباء السلطة وعدم تحمل هذه الأعباء لسنواتٍ ستٍ مقبلة مرهقة

وللعجب العجاب..

تجد نفس القناة التي كانت تدعم الشباب.. وتفخر بامتلاك مصر شباب يفرح مثلهم.. تبدأ في بث برامج تسير في اتجاه مغاير تماما.. وتجلس المذيعة الشابة بدون المكياج المعتاد متشحة بالسواد، ينبئك مظهرها عن مرورها بحالة من البكاء المرير لهذا الخبر الصادم، وتتلقى تليفونات باكية شاكية تبث همها وحزنها لعدم ترشح الرئيس لفترة سادسة يقود فيها السفينة المصرية.. تنوح أن ينقذ أحدهم هؤلاء شباب اللي فيه حد بيسوقه، وأن الموضوع فيه إنّ مشددة على أنه حرام اللي بيحصل ده خاصة وأننا كلنا بنحب الريّس حتى وإن لم يكن منتخب مصر كويس

وما أن بدأتُ بكتابة هذا المقال تنفيسا عن أعصابي مما شاهدت من تناقضات.. حتى أفاجأ بما هو أعجب من هذا العجب العجاب.. حيث شاهدت بأم عيني ما لم أصدقه حتى الآن.. وما لم أحسب له حساب

أسامة سرايا.. أسااااامة سرااااايا؛
وأنت أعلم مني بما دار في رأسك الآن عند ذكري لهذا الاسم

أراه يقف في المظاهرة.. قائلا أنهم حاولوا يخوفونا (لاحظ صيغة الجمع للمتكلم) من أن ننزل للمظاهرة، ويطلبوا مننا (لاحظ الصيغة أيضا) أن نبقى ببيوتنا لنحميها.. متعجبا من أنهم (من المؤكد أنك لاحظت صيغة الغائب) وزعوا منشورات تقول نعم لمبارك، وهو ما جعله أصر يصر إصرارا، وألح يلح إلحاحا، ألا يخاف وينزل - مشاركا - في المظاهرات!!!!!

يبدو أن هذه حالة خاصة ومتقدمة من السكيزوفرينيا لم ولن تظهر.. إلا في مصر

وكم ذا بمصر من المضحكات           ولكنه (بحق) ضحك كالبكا

27.1.11

كلنا مش عايزين صورة

بعد المكافحة من أجل حلم السد العالي..
بدأ البناء، بعد التغلب على كل المعوقات الخارجية ضد هذا الإنجاز
انطلقت أغنية عبد الحليم والتي تؤكد أنهم بعد تحقيق هذا الأمل "كلهم كده عايزين صورة".. مطالبةً "جمال" أن "صورنا يا جمال"
ليس الموضوع عن الأغنية التي تمجد إنجاز رئيس، فطالما مجدت الأغاني والمقالات في الرؤساء والملوك والحكومات.. أحيانا بوجه حق وكثيرا بدون
ولكن الملاحظ أن الشعب نفسه تقبل هذه الأغنية بدون أي استنكار، لأنها تعبر عنهم وعن رضاهم بمحتوى هذه الأغنية.. فكانوا يرون أن الإنجاز كبير بما يكفي لأن نضعه في أرشيف هذا البلد.. كصورة تحمل الإنجاز.. فيها الشعب صاحب الإنجاز


ومنذ انطلاق هذه الأغنية تم اتخاذها مبدأً عاماً للحكومات المصرية المتتالية
فأرادت الحكومات في عهد السادات إثبات أن البلد ليس مع الكفر والإلحاد الشيوعي، بل هو بلد مؤمن تضرب جذوره في الإيمان ضربا مبرحاً.. فبدأ في تصوير الرئيس وهو يصلي الجمعة أسبوعيا، وأصبح لا يذكر إلا بـ الرئيس المؤمن

أنا لا أملك الحكم على مدى إيمان أي أحد، ولا أقول ذلك لأنفي إيمان الرئيس.. إلا أني لفت نظري إصرارهم على ظهور ذلك دوما في الصورة
حتى عندما أراد السادات أن يثبت مبدأ الحريات، فاهتم بتصوير نفسه وهو يهدم المعتقلات بيديه.. رغم أن هذا لم يكن مانعا أبدا من تنفيذ قرارات اعتقال فيما بعد


ثم اتخذ الموضوع شكلا أكثر تطورا.. فأصبح الاهتمام الأول موجه للصورة.. والصورة أولا، حتى وإن لم توجد الخلفية التي تستحق التصوير، فلا مانع من تكوين خلفية مؤقتة تكفي لملء كادر صورة 6×9.. ولتذهب - الخلفية المؤقتة - بعد ذلك إلى المخازن أو حتى إلى الجحيم.. لا يهم


فأصبح من الطبيعي أن ترى طريقا يصنف بجدارة كـعزيز قوم ذل.. بعد أن أصبح باطنه ظاهرا، أو أرصفته صارت أشبه بمواقع الانفجارات، أو بالوعاته مفتوحة دوما كما تفعل فراخ الطير في انتظار الطعام (والذي كان غالبا هو أحد المارة في هذا الشارع)..
ويظل الأمر هكذا لأجيال
حتى يصبح أهله لا يذكرون له حالا أخرى غير تلك الحال

ولكن..
قد يستيقظ أهالي هذا الطريق على نشاط غير عادي، من رصف وإعادة تأهيل، وتلوين للأرصفة، وزرع للأشجار وإغلاق للبالوعات..
وما ينقضي يومان.. يكتشفون بعدها أن هناك مسئولا سيمر على هذه المنطقة، وكل هذا ليرى أن ما هو مسئولٌ عنه بخير حال وفي صورة طيبة تلتقطها عدسات الصحف المنطلقة في موكبه.. حتى يستطيع النوم هانئا مرتاح البال


واستمر الحال.. واستمرت الصور
وتعين على الحكومات اختيار الصور المناسبة للحال.. حتى أصبحت شيئا فشيئا فاقدة للمعنى وللمصداقية
وكلما حدثت مشكلة بين اثنين.. وكان أحدهما مسلما والآخر مسيحيا، وحاول بعض الخبثاء دس عامل الدين كسبب للخلاف (حتى وإن كان الخلاف على شئ محرم أساسا).. انطلقت الحكومة لنفي وجود فتنة طائفية، وتبارت في كيفية إظهار أن الصورة طالعة حلوة.. لأن بها من الضحك ما يكفي لعمل عشرة ألبومات كاملة..
وتظهر حينها صور شيخ الأزهر مصافحا البابا شنودة.. حتى أصبح الشعب المصري يفهم جملة : (لا وجود للفتنة الطائفية بمصر)، وكأنها المرادف اللغوي لـ (نريد إطفاء الفتنة المشتعلة في مصر).. حتى وإن كان هذا المصري نفسه لا يرى الفتنة بعينيه، لم ير مشكلات ضخمة تستحق وصفها بالطائفية، ولكن هذا الإصرار على النفي يؤكد له وجود شئ ما، خاصة مع رسوخ إيمانه العميق بأنه (مفيش دخان من غير نار)


تعددت المواقف، وتعددت الصور.. بل وتطورت يوما بعد يوم
فبعد أن كان المسئولين يكتفون بنشر لافتات التأييد القماشية في أي مدينة أو قرية يزورها الرئيس، فيبدو أنهم وجودها لقطة مكررة امتلأ بها الأرشيف.. فأصبح القماش المعلق - حاملا لعبارات التأييد - قمصانا يرتديها المؤيدون "حاملةً لصور فوتوغرافية للرئيس أو نجله"..
وطالما تسائلت، ألم يسأل أحدٌ نفسه كيف يقوم شباب قرية بهذا الفقر بتجهيز "تي شيرتات" تأييد عليها صور ملونة مطبوعة؟
أليست هذه تكلفة من الطبيعي أن تشق على من هم في مثل حالهم؟


حتى حينما انتشرت مقاطع تظهر أقسى أنواع السادية التي يمارسها ذو سلطة ضد من هو مسئول عنهم..
مقاطع تظهر عدة رجال شرطة وهم يقتلون إنسانا..
لا يقتلونه جسدا، ولكن يقتلون إنسانيته واحترامه لذاته ولآدميته بل ولبلده نفسها

كان من الطبيعي جدا أن يعاقب المخطئ عقابا رادعا، ويعود الحق لأصحابه ببساطة
لأنه من الطبيعي جدا في كل فئة أو مهنة تواجد الصالح والفاسد..
ولكن لم يكن يتم هذا بهذه السهولة.. فالصورة بهذا الشكل ستظهر بها بقعة تشوه الصورة الوردية
يتم التهرب والإنكار، ولا يعاقب أحد إلا لو تعدت المشكلة حيز الإخفاء


بعد كل ذلك.. خرج الناس بالآلاف.. خرجوا مطالبين ببعض الحقوق، وما زالت الحكومة مصرة على ضبط الصورة، وإظهار أن الأحداث ما هي إلا مسيرات سلمية ليس إلا
لم يدركوا أن أجهزة التصوير أصبحت في كل هاتف محمول، وأصبحت في أيدي حتى الأطفال.. وأصبحت الصورة الحقيقية أسرع انتشارا من الأوبئة

اكتفى الناس من الصور..
فاضت الألبومات بما تحوي، وأصبح الناس في حاجة لواقع يعيشوه، وحلم ينفذوه
خرج الناس من وراء الخلفيات الاصطناعية.. الوردية.. الراضية.. السعيدة.. المؤيدة
أرادوا أن يفتحوا الكادر لتظهر الصورة على حقيقتها
أرادوا أن يقولوا يكفي هذا التصوير، ولنبدأ بالتطوير
حينها..
ستجد ألف ألف كاميرا تعرض إنجازاتك بدلا منك
وستجد ألف ألف متفرج يستمتع بصورة تحوي عملا حقيقيا، ويفخر بك
حينها..
ستجد من يطالبك بالصورة.. كشاهد يشهد لك، بعد أن أرهقت نفسك في خدمة من هم مسئولين منك
فهل يستجيب أحد؟