3.11.09

عملية فدائية

حانت منه التفاته - بينما كان يجهز ما قد يحتاج إليه في هذه الرحلة المرعبة - إلى صورة طفل في السابعة بين يدي والده، وهما يضحكان سويا في مرح..
أعادت له ذكريات جميلة، قد لا تتيسر له الفرصة ليتذكرها ثانية
يضع آخر حاجياته في الحقيبة التي قد يحتاج إليها فعلا، أو قد تكون مجرد تحصيل حاصل ليس إلا..

يخرج إلى صالة شقته.. ليجد الجميع في حالة يرثى لها من القلق.. تمسك زوجته بيده قائلة :



- بلاش يا حسن.. بلاش.. احنا محتاجينك
- ما ينفعش يا عبير.. ده واجبي.. ولازم أقوم بيه
- طيب ما ينفعش حد تاني يروح؟.. يعني مفيش غيرك؟
- في طبعا.. بس انتي عارفة إن كل واحد له مسئوليات محددة.. ما ينفعش حد يشيل حاجة من مسئوليات التاني.. ما تخافيش.. زي ما هاروح زي ما هاجي إن شاء الله
تنفجر في البكاء مستسلمة لإصراره.. محتضنة ابنها الصغير بين يديها

يتجه نحو أمه.. التي تكتم دموعها حتى لا تزيد من همومه.. خاصة وأنها تعلم أن كلامها وبكائها لا طائل منه وتكتفي بقولها :
- خلي بالك من نفسك يا ابني.. احنا محتاجينك
- حاضر يا أمي، ما تقلقيش.. الموضوع مش مستاهل
- اقرا قرآن كتير وإنت رايح.. ولو حسيت بأي خطر حاول تنفد بجلدك يا ابني
- حاضر.. إن شاء الله خير، ما تقلقوش انتوا بس.. وأنا إن شاء الله هاتصل بيكوا
يقبل يد أبيه، الذي ينظر إليه دون كلام.. مكتفيا بنظرة معبرة، تعيد إليه ذكريات الصورة التي رآها قبل لحظات..
فيبتسم له متذكرا أنه شك منذ قليل في امكانية أن تتاح له فرصة استعادة هذه الذكريات مرة أخرى
ينظر لساعة يده..

     12:13م

لم يبق أمامه إلا 47 دقيقة فقط.. حان وقت الذهاب..


* * *


بعد الوقت المحدد بنصف الساعة يراه قادما من بعيد..
ليس مطلوبا منه أكثر من الذهاب لفرع الشركة في أسيوط لإنهاء بعض الأعمال الإدارية وتجهيز بعض الأوراق الهامة
إنها ليست مشكلة..
إنها ليست المشكلة..

يراه يقترب منه أكثر..
إنه لا يخشى صاعقةً من السماء.. أو بركاناً متفجراً من باطن الأرض.. فلم يسبق أن حدث شئ من هذا القبيل أبدا
يتباطأ رويدا رويدا..إنه فقط يدعو الله من كل قلبه..
ألا تكون نهايته على يد جاموسة شاردة.. أو على يد سيارة منتهية الأعمار الافتراضية والاحتياطية والاستثنائية؛ يأبي محركها أن يتوقف إلا على مزلقان هذا القطار بعد أن يتركه عامل المزلقان مفتوحا في وقت مرور القطار


يوشك على التوقف..
يتمنى بشدة ألا يقرر عامل التحويلة التوجه هنا أو هناك قبل أن يضبط وجهة القطار إلى مساره الصحيح.. فلا يأخذ قطاره قطاراً آخر في عناق حار أخير



يتوقع " أو يحاول ذلك " أن تعمل جميع الأجزاء - المتطورة المضافة حديثا – بشكل صحيح بعد أن "وجعوا دماغه" بإعلانات التطوير والتحديث
خاصة بعد أن آمن بأن المصري اللي على حق.. يقول للغلط لأ



يتوقف القطار أمامه..
يقف ساكنا للحظات..
يغمض عينيه.. ويأخذ شهيقا عميقا.. ثم يدلف إليه..