27.1.11

كلنا مش عايزين صورة

بعد المكافحة من أجل حلم السد العالي..
بدأ البناء، بعد التغلب على كل المعوقات الخارجية ضد هذا الإنجاز
انطلقت أغنية عبد الحليم والتي تؤكد أنهم بعد تحقيق هذا الأمل "كلهم كده عايزين صورة".. مطالبةً "جمال" أن "صورنا يا جمال"
ليس الموضوع عن الأغنية التي تمجد إنجاز رئيس، فطالما مجدت الأغاني والمقالات في الرؤساء والملوك والحكومات.. أحيانا بوجه حق وكثيرا بدون
ولكن الملاحظ أن الشعب نفسه تقبل هذه الأغنية بدون أي استنكار، لأنها تعبر عنهم وعن رضاهم بمحتوى هذه الأغنية.. فكانوا يرون أن الإنجاز كبير بما يكفي لأن نضعه في أرشيف هذا البلد.. كصورة تحمل الإنجاز.. فيها الشعب صاحب الإنجاز


ومنذ انطلاق هذه الأغنية تم اتخاذها مبدأً عاماً للحكومات المصرية المتتالية
فأرادت الحكومات في عهد السادات إثبات أن البلد ليس مع الكفر والإلحاد الشيوعي، بل هو بلد مؤمن تضرب جذوره في الإيمان ضربا مبرحاً.. فبدأ في تصوير الرئيس وهو يصلي الجمعة أسبوعيا، وأصبح لا يذكر إلا بـ الرئيس المؤمن

أنا لا أملك الحكم على مدى إيمان أي أحد، ولا أقول ذلك لأنفي إيمان الرئيس.. إلا أني لفت نظري إصرارهم على ظهور ذلك دوما في الصورة
حتى عندما أراد السادات أن يثبت مبدأ الحريات، فاهتم بتصوير نفسه وهو يهدم المعتقلات بيديه.. رغم أن هذا لم يكن مانعا أبدا من تنفيذ قرارات اعتقال فيما بعد


ثم اتخذ الموضوع شكلا أكثر تطورا.. فأصبح الاهتمام الأول موجه للصورة.. والصورة أولا، حتى وإن لم توجد الخلفية التي تستحق التصوير، فلا مانع من تكوين خلفية مؤقتة تكفي لملء كادر صورة 6×9.. ولتذهب - الخلفية المؤقتة - بعد ذلك إلى المخازن أو حتى إلى الجحيم.. لا يهم


فأصبح من الطبيعي أن ترى طريقا يصنف بجدارة كـعزيز قوم ذل.. بعد أن أصبح باطنه ظاهرا، أو أرصفته صارت أشبه بمواقع الانفجارات، أو بالوعاته مفتوحة دوما كما تفعل فراخ الطير في انتظار الطعام (والذي كان غالبا هو أحد المارة في هذا الشارع)..
ويظل الأمر هكذا لأجيال
حتى يصبح أهله لا يذكرون له حالا أخرى غير تلك الحال

ولكن..
قد يستيقظ أهالي هذا الطريق على نشاط غير عادي، من رصف وإعادة تأهيل، وتلوين للأرصفة، وزرع للأشجار وإغلاق للبالوعات..
وما ينقضي يومان.. يكتشفون بعدها أن هناك مسئولا سيمر على هذه المنطقة، وكل هذا ليرى أن ما هو مسئولٌ عنه بخير حال وفي صورة طيبة تلتقطها عدسات الصحف المنطلقة في موكبه.. حتى يستطيع النوم هانئا مرتاح البال


واستمر الحال.. واستمرت الصور
وتعين على الحكومات اختيار الصور المناسبة للحال.. حتى أصبحت شيئا فشيئا فاقدة للمعنى وللمصداقية
وكلما حدثت مشكلة بين اثنين.. وكان أحدهما مسلما والآخر مسيحيا، وحاول بعض الخبثاء دس عامل الدين كسبب للخلاف (حتى وإن كان الخلاف على شئ محرم أساسا).. انطلقت الحكومة لنفي وجود فتنة طائفية، وتبارت في كيفية إظهار أن الصورة طالعة حلوة.. لأن بها من الضحك ما يكفي لعمل عشرة ألبومات كاملة..
وتظهر حينها صور شيخ الأزهر مصافحا البابا شنودة.. حتى أصبح الشعب المصري يفهم جملة : (لا وجود للفتنة الطائفية بمصر)، وكأنها المرادف اللغوي لـ (نريد إطفاء الفتنة المشتعلة في مصر).. حتى وإن كان هذا المصري نفسه لا يرى الفتنة بعينيه، لم ير مشكلات ضخمة تستحق وصفها بالطائفية، ولكن هذا الإصرار على النفي يؤكد له وجود شئ ما، خاصة مع رسوخ إيمانه العميق بأنه (مفيش دخان من غير نار)


تعددت المواقف، وتعددت الصور.. بل وتطورت يوما بعد يوم
فبعد أن كان المسئولين يكتفون بنشر لافتات التأييد القماشية في أي مدينة أو قرية يزورها الرئيس، فيبدو أنهم وجودها لقطة مكررة امتلأ بها الأرشيف.. فأصبح القماش المعلق - حاملا لعبارات التأييد - قمصانا يرتديها المؤيدون "حاملةً لصور فوتوغرافية للرئيس أو نجله"..
وطالما تسائلت، ألم يسأل أحدٌ نفسه كيف يقوم شباب قرية بهذا الفقر بتجهيز "تي شيرتات" تأييد عليها صور ملونة مطبوعة؟
أليست هذه تكلفة من الطبيعي أن تشق على من هم في مثل حالهم؟


حتى حينما انتشرت مقاطع تظهر أقسى أنواع السادية التي يمارسها ذو سلطة ضد من هو مسئول عنهم..
مقاطع تظهر عدة رجال شرطة وهم يقتلون إنسانا..
لا يقتلونه جسدا، ولكن يقتلون إنسانيته واحترامه لذاته ولآدميته بل ولبلده نفسها

كان من الطبيعي جدا أن يعاقب المخطئ عقابا رادعا، ويعود الحق لأصحابه ببساطة
لأنه من الطبيعي جدا في كل فئة أو مهنة تواجد الصالح والفاسد..
ولكن لم يكن يتم هذا بهذه السهولة.. فالصورة بهذا الشكل ستظهر بها بقعة تشوه الصورة الوردية
يتم التهرب والإنكار، ولا يعاقب أحد إلا لو تعدت المشكلة حيز الإخفاء


بعد كل ذلك.. خرج الناس بالآلاف.. خرجوا مطالبين ببعض الحقوق، وما زالت الحكومة مصرة على ضبط الصورة، وإظهار أن الأحداث ما هي إلا مسيرات سلمية ليس إلا
لم يدركوا أن أجهزة التصوير أصبحت في كل هاتف محمول، وأصبحت في أيدي حتى الأطفال.. وأصبحت الصورة الحقيقية أسرع انتشارا من الأوبئة

اكتفى الناس من الصور..
فاضت الألبومات بما تحوي، وأصبح الناس في حاجة لواقع يعيشوه، وحلم ينفذوه
خرج الناس من وراء الخلفيات الاصطناعية.. الوردية.. الراضية.. السعيدة.. المؤيدة
أرادوا أن يفتحوا الكادر لتظهر الصورة على حقيقتها
أرادوا أن يقولوا يكفي هذا التصوير، ولنبدأ بالتطوير
حينها..
ستجد ألف ألف كاميرا تعرض إنجازاتك بدلا منك
وستجد ألف ألف متفرج يستمتع بصورة تحوي عملا حقيقيا، ويفخر بك
حينها..
ستجد من يطالبك بالصورة.. كشاهد يشهد لك، بعد أن أرهقت نفسك في خدمة من هم مسئولين منك
فهل يستجيب أحد؟



هناك تعليقان (2):

Dr ZMZ يقول...

إن شاء الله
أهم حاجة بلاش يأس

غير معرف يقول...

واضح إن فعلا الموضوع ما كانش عايز يأس
بس ربنا يعديها على خير النهاردة بعد ما نزل البهايم "المؤيدين"
من حقهم 100% يؤيدوا اللي يختاروه
لكن لما نزولهم يكون سبب في بداية الضرب وقلة الأدب.. يبقى كده واضح مين السبب في التخريب والتدمير